التسميات

الاثنين، 21 يونيو 2010

ملكية فكرية تبويب الاحكام القضائية

بسم الله الرحمن الرحيم
[ الحكم رقم 5894 - لسنـــة 2003م - تاريخ الجلسة 27 / 04 / 2004]
ملكية فكرية



برئاسة السيد الأستاذ/ محمد البيطار رئيس المحكمة وحضور السيد الأستاذ/ وائل القاضى وكيل النيابة والسيد/ مصطفى محمود أمين السر.


المادة الرابعة من قانون حماية حق المؤلف الصادر بالقانون رقم 354 لسنة 1954 المعدل والذى ظل معمولا به من تاريخ نشره فى 24/6/1954 حتى ألغى بمقتضى المادة الثانية من القانون 82 لسنة 2002 بإصدار قانون حماية حقوق الملكية الفكرية المعمول به اعتبارا من الثالث من شهر يونيه من نفس العام.
تلك المادة الرابعة من مواد القيد لم تكن تضفى الحماية على الأحكام القضائية باعتبارها من قبيل الوثائق الرسمية إلا إذا كانت المصنفات التى تضمنتها قد تميزت بسبب يرجع إلى الإبتكار أو الترتيب أو بذلك فى إعدادها أى مجهود شخص آخر يستحق الحماية - لما كان ذلك وكان من المعلوم لهذه المحكمة مما لا حاجة معه إلى أثبات أن مجموعات مكتب تبويب الأحكام بمحكمة النقض التى توزع دوريا على رجال القضاء إنما تحتوى فى الأساس على الأحكام التى تصدرها المحكمة بدوائرها المختلفة، وعلى هذا فإن مقطع النزاع يستوجب تمحيص هذا المحتوى استنباطا لما إذا كانت تلك الإصدارات التى يؤخذ على المتهم أنه نقل عنها حرفيا قد تميزت بسبب يرجع إلى الإبتكار أو الترتيب أو بذل فى إعدادها أى مجهود شخص آخر يستحق الحماية بحيث تعتبر تلك المصنفات جديرة بالحماية التى تسبغها المادتان الأولى والثانية من قانون حماية حق المؤلف أم لا، وكذلك ما إذا كانت إصدارات المتهم التى اشار إليها وصف التهمة تتمحص محاكاه حرفية مطابقة لذلك الأصل الذى نقلت عنه أم أنها تميزت بدورها بابتكار مستحدث أو بترتيب غير مسبوق أو بجهد شخصى آخر مستقل عن جهد المكتب الفنى بحيث تستحق بدورها الحماية التشريعية المشار إليها فى المادة الرابعة أو بتلك الحماية الأخرى التى تضيفها المادة الثالثة من ذات القانون على من قام بترجمة مصنف إلى لغة أخرى أو بتحويله من لون من ألوان الأدب أو الفنون أو العلوم إلى لون آخر من قام بتلخيصه أو بتحويره أو بتعديله أو بشرحه أو بالتعليق عليه بأية صورة تظهره فى شكل جديد دون ما إخلال بحقوق مؤلف المصنف الأصلى.
وحيث إن هذا التمحيص المنشود يستلزم من حيث المبدأ التعرف على الدلالة الإصطلاحية لكلمتى الإبتكار والترتيب وعلى مفهوم عبارة "مجهود شخصى آخر يستحق الحماية" ولما كان القانون المطبق لم يضع تحريفا اصطلاحيا لأى من الكلمتين الأولى والثانية على عكس ما جاء به قانون حماية حق الملكية الفكرية الصادر بالقانون رقم 182 لسنة 2002 الذى عرف فى المادة 138/2 منه الإبتكار بأنه "الطابع الإبداعى الذى يسبغ الأصالة إلى المصنف" ولما كان الأصل فى التعريف التشريعي الاصطلاحى لكلمة ما إنه يكشف عن غرض الشارع فى الدلالة على تلك الكلمة عند استخدامها فى تشريع معين، وكان كلا القانونين الحالى الذى أورد التعريف والمطبق الذى خلا منه يعالجان موضوعا واحدا هو حماية الحقوق الفكرية فإن المحكمة لا ترى بأسا فى أن تعتنق هذا التعريف وتأخذ بما تضمنه من أن الإبتكار يجب أن يكون وليد إبداع يضفى على العمل أصالته.

والإبداع حسبما تعرفه المحكمة الدستورية فى حكمها الصادر بجلسة 4/1/1977 فى الدعوى رقم 2/15 ق دستورية "يتعين أن يكون بعيدا عن التقليد والمحاكاة وأن ينحل عملا ذهنيا وجهدا خلاقا ولو لم يكن ابتكارا جديدا كل الجدة وهو ليس مجرد تسليم بما هو قائم ولكنه تغيير وتعديل وتطوير يؤكد المبدع انفراده به بحيث لا يمكن نسبته إلى غيره لأن العناصر التى يضفيها لا ينقلها بتمامها عن سواه وإنما تعود أصالتها إلى احتوائها على حد أدنى من عناصر الخلق التى تقارن الابتكار.... كما أن الإبداع ليس بالضرورة إحياءا كاملا أو مبتدأ أو قفزا من فراغ بل اتصالا بما هو قائم إكمالا لمحتواه وإنفعالا بمداه إلى آفاق أرحب.
كذلك فإن محكمة النقض قد اعتبرت أن إدخال ترتيب خاص فريد فى نوعه وفهرس منظم فى طبعه جديدة لمصنف قديم يكفى لأن يضفى على العمل الجديد طابعا شخصيا خاص يصدق عليه وصف الإبتكار.
وحيث إن كلمة ترتيب التى لم يجئ لها كلا التشريعيين بتعريف اصطلاحى فإن المحكمة تأخذ فى التعرف على دلالتها اللغوية بما عرفها به معجم لسان العرب فى طبعة مؤسسة الأهرام المحققة بأنها "إنزال الشئ منزله".
ومع التسليم من جانب هذه المحكمة بما هو ملموس لها من أن مجموعات أحكام النقض الصادرة عن المكتب الفنى من عميم الفائدة فى التعرف على حكم القانون على وجهه السديد فإن ذلك على أهميته لا يحجب المحكمة عن أن تلحظ فى نفس الوقت أن أسلوب نشر الأحكام سواء من حيث استخلاص المبادئ من مدونات الأسباب وتصديرها بها أو من حيث تنسيق النشر طبقا للترتيب التتابعى لتوالى الجلسات الأسبوعية أو من حيث الفهرسة والتبويب لا ينطوى فى كافة مراحله على إبتكار غير مسبوق يضفى عليه تميزا خاصا به.
وإنما جاء كل ذلك على غرار ما سبق إليه كبير كتاب محكمة النقض الأسبق فى مجموعته المعروفة بمجموعة عمر التى ضمنها الأحكام التى أصدرتها هذه المحكمة منذ عشرات السنين قبل إنشاء المكتب الفنى مبوبة ومفهرسة ومستنبطة مبادئها على ذات النهج الذى تأسى به المكتب الفنى بعدئذ وذلك حسبما تبينته المحكمة من المقارنة بين مجموعات المكتب الفنى المتاحة لها وبين الصور الضوئية لبعض منشورات مجموعة عمر التى تقدم بها المتهم فى إحدى حوافظ مستنداته.


وحيث إنه عن تقييم عمل المكتب الفنى المبذول فى إعداد مجموعات إصدارته وما إذا كانت تمثل جهدا شخصيا جديرا بالحماية من عدمه فإن المحكمة ترى أنه يعتبر بغير شك سواء من حيث استنباط المبادئ من مدونات الأحكام وتصديها لها وتبويبها وفهرستها تشكل جهدا جماعيا بحيث يصدق على المصنفات التى يصدرها وصف المصنفات الجماعية التى تعنيه المادة 27 من القانون المطبق، بيد أن الحماية التشريعية التى يسبغها ذلك القانون على هذا الجهد ليس من شأنها بذاتها أن تضع المتهم تحت طائلة التأثيم والعقاب الذى تطالب به سلطة الإتهام فى وصف التهمة الأولى ومواد قيدها وذلك أن المستبين من تقرير اللجنة الفنية أنه استعمل فى وصف برامج الأحكام المنشورة على الأقراص أنها برامج مطورة.


ومن المعلوم فى اللغة أن تطوير الشئ هو مجاوزة حده وبلوغ الغاية فى أمره "لسان العرب ص 2718" وترى هذه المحكمة باعتبارها الخبير الأعلى فيما ليس مسألة فنية بحتة أن ما جاء به التقرير يجد صداه فى المستندات المقدمة من المتهم التى تفيد أن الأقراص المدمجة المحتوية على الأحكام الصادرة عن المحاكم المصرية العليا بما فيها أحكام محكمة النقض محل الإتهام والتى لم تجاوز التسعة عددا قد حملها المتهم عن طريق برنامج حاسب آلى مبتكر تضمن خمسمائة وثلاثين ألف حكم وأتاح للباحث التعرف على الحكم المطلوب أو القاعدة القانونية التى قعدها من خلال ثلاث عشرة طريقة للبحث ومن تخزين الأحكام المطلوبة فى أرشيف خاص معه الربط بين تلك الأحكام والتشريعات المطبقة مع تيسير البحث بالربط بين الحكم والقاعدة والفهرس فى نفس الوقت واستدعاء المعلومة المطلوبة من خلال رقم الحكم أو السنة القضائية أو تاريخ الجلسة أو سنة المكتب الفنى أو رقم الصفحة أو تصنيف المحكمة "عنوان الحكم" أو أسم أى من أعضاء الهيئة التى اصدرته أو من خلال البحث بالكلمات أو من داخل القاعدة القانونية وحيث أن المحكمة ترى فى تلك المستندات التى لم تعقب عليها سلطة الإتهام بما ينال من دلالتها أن مجهود المتهم المبذول فى إعداد الأقراص المتضمنة الأحكام بما فيها محكمة النقض وبالطريق التى تم بها هذا الإعداد يعتبر استحداثا يصدق عليه وصف التطوير الذى أطلقه عليه التقرير الفنى ليس فقط من حيث الشكل الذى أحال بالمراجع الورقية المطبوعة بكل ما حوته من مادة قانونية تندرج بحكم طبيعتها تحت مسمى "العلوم الإجتماعية" إلى مصنفات إليكترونية فى صورة أقراص مدمجة تعمل على أجهزة الحاسب الآلى، واقتضت ما حوته مئات المجلدات فى عدد من الأقراص لم تتجاوز عددها تسعا بل أيضا من حيث الفهرسة المبتكرة وطرق البحث التى تجاوز عددها عشرا وفى كل ذلك ما يعتبر بحق - تحريرا للمصنف أظهره فى شكل جديد مغاير للشكل الذى عليه إصدارت المكتب الفنى مما يضع إصدارت المتهم الإلكترونية تحت حماية المظلة التشريعية التى توليها المادة الثالثة من القانون المطبق لكل من يقوم بتحوير مصنف قائم تحريرا يحيله ويكسبه مظهرا جديدا، ومتى كان هذا الشكل جديرا بالحماية التشريعية للقانون المطبق فإنه لا يبقى ثمة مجال للتأثيم والعقاب الذى تطالب به سلطة الإتهام ذلك أن الحماية التشريعية لا ترد على عمل مؤثم جنائيا غاية ما فى الأمر من حيث المبدأ هو الإحتفاظ لصاحب المصنف المحور بحقه كمؤلف وهو الأمر الذى لا يمارى فيه المتهم بل سلم به منذ البداية فى خطابه المرفق صورته والموجه إلى السيد الأستاذ المستشار النائب العام أثناء التحقيقات التى تمت معه.


وحيث إن الجامع المشترك بين مواد القيد الثلاث التى طلبت النيابة معاقبة المتهم بمقتضاها وهى 189- 190- 193 من قانون العقوبات أنها تحيل فى بيان علانية النشر إلى المادة 171 من ذات القانون التى تقرر فى فقرتها الأخيرة أن الكتابة والرسوم والصور والصور الشمسية والرموز وغيرها من طرق التمثيل تعتبر علنية إذا وزعت بغير تميز على عدد من الناس أو إذا عرضت بحيث يستطيع أن يراها من يكون فى الطريق العام أو أى مكان مطروق أو إذا بيعت أو عرضت للبيع فى أى مكان - وحيث إنه مع التسليم لما هو مقرر من أن المادة 171 من قانون العقوبات لم تبين طرق العلانية ببيان حصر وتجديد فإن المقرر فى قضاء النقض أن "المناط فى تحقيق العلانية إنما لتوفر بجعل المكاتب أو نحوها فى متناول عدد من الجمهور بقصد النشر ونية الإذاعة، وهو أمر متروك تقديره لمحكمة الموضوع.
كذلك من المقرر أن المشرع دل بالمادتين 189، 190 من قانون العقوبات على أن حصانة النشر مقصورة على الإجراءات القضائية العلانية والأحكام التى تصدر علنا وأن هذه الحصانة لا تمتد إلى ما يجرى فى الجلسات غير العلنية ولا إلى ما يجرى فى الجلسات التى قررت المحكمة أو القانون الحد من علانيتها - كما أنها مقصورة على إجراءات المحاكمة ولا تمتد إلى التحقيق الإبتدائى ولا إلى التحقيقات الأولية والإدارية لأن هذه كلها ليست علنية ولا يشهدها غير الخصوم ووكلائهم فمن ينشر وقائع هذه التحقيقات أو ما يقال فيها أو يتخذ فى شأنها من ضبط وحبس وتفتيش وإتهام وإحالة على المحاكمة فإنما ينشر ذلك على مسئوليته.


وحيث إنه فى ضوء هذه الضوابط واسترشادا بها فإن المحكمة لم تقف فى سائر المفردات على ما يقطع بأن المتهم طبع على سيديهات بقصد العرض للبيع أخبارا بشأن التحقيقات والمرافعات التى جرت فى بعض دعاوى الطلاق والتفريق التى نظرتها دائرة الأحوال الشخصية بمحكمة النقض إلى آخر ما جاء بوصف التهمة وذلك أن غاية ما أفصحت عنه إجراءات الضبط ما نوه به التقرير الفنى أنه بفحص أجهزة الكمبيوتر المضبوط بمكتب المتهم - وهو محام - لم يكن محملا عليها بشئ ومن جاء بالوصف وإنما هى مجرد صور لأحكام غير منشورة وهى أيا ما كان نوع الأقضية التى فصلت فليس ثمة دليل فى الأوراق على أن أقراصا مدمجة قد نسخت عنها أو أنها أعدت للعرض أو للبيع، بل أن المستفاد من المستند المرفق بالملف المقدم من المتهم إلى المحقق المؤشر عليه بالنظر فى 16/5/2002 والذى أعده كإعلان للترويج للبرنامج الذى أبتكره نشر الأحكام إلكترونيا أنه يشير فى بيان مزاياه إلى أنه يمكن الباحث المتعامل مع البرنامج من الاستغناء كليا عن مجموعات المكتب الفنى المطبوعة مما مفاده بمفهوم المخالفة أن الأحكام المحملة على الأقراص كلها منشورة وليس بينها أية أحكام نشرها غير جائز على اعتبار أن مجموعات المكتب الفنى المطبوعة لا تنشر مثل هذه الأحكام.
لما كان ذلك وكانت المادة 180 من قانون المرافعات تسوغ إعطاء نسخة من نسخة الحكم الأصلية لمن يطلبها ولو لم يكن له شأن فى الدعوى وذلك بعد دفع الرسم المستحق فإن مجرد وجود أحكام أيا ما كان موضوع القضايا التى صدرت فيها محملة على أجهزة الحاسب الآلى بمكتب المتهم - وهو محام لا يفيد بذاته أنه قارف جريمة النشر المسندة إليه طالما أنه لم يضبط فى مكتبه ولا فى أيدى أى من المتعاملين معه أية أقراص متداولة بيعا أو شراء محملة بأحكام محظورة النشر، وإنه لما يعزز لدى هذه هذه المحكمة قناعتها تلك أنه يوضح وجود مثل تلك الأقراص لكان ضبطها إثباتا لصحة الإسناد جائزا لمأمورى الضبط القضائى ضمن ما ضبطوه فى مكتبى المتهم ليس فقط لما تنص عليه المادة 198 من قانون العقوبات ولكن ايضا لما تمليه القواعد العامة فى المادتين 55، 56 من قانون الإجراءات الجنائية، أما وأن شيئا من ذلك لم يتم فإن المحكمة ترى فى هذا الموقف الإجرائى السلبى غير المتخذ قرينة قضائية مثيرة للشك فى مصداقية التهمة الثانية وموجبة من ثم تبرئة المتهم نزولا على حكم المادة 304 إجراءات جنائية - وذلك تلبية لأصل البراءة الذى لا يزيل المتهم إلا بالدليل اليقينى الذى لا يلابسه أدنى شك وهو ما لا ترى له المحكمة صدى فى الأوراق رغم تنوع مفرداتها وتعددها.

[ الحكم رقم 5894 - لسنـــة 2003م - تاريخ الجلسة 27 / 04 / 2004]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق