التسميات

الأحد، 15 ديسمبر 2013

الصين ...وحجيه الإثبات الإلكترونى

الصين و حجية الإثبات الإلكتروني

الدكتور رياض محمد نزار المعرّاوي

 

هنالك العديد من التحديات القانونية التي تواجه رجل الأعمال العربي أثناء ممارسته لأعماله في الصين , وفي مقدمة هذه التحديات مشكلة الاثبات القانوني بوساطة المراسلات الالكترونية (الإيميل) أوالملفات الرقمية (سويفت بنكي) , وذلك مع تزايد الاعتماد يوما بعد يوم على الوسائل التقنية و الرقمية في التخاطب التجاري و تسديد أثمان البضائع كبديل للبيانات المحررة على الورق.

 

إثبات الحق: إثبات الحق هو إقامة الحجة عليه ، و إن الحق المجرد عن الدليل لا وجود له عند حصول المنازعة , و تمثل الكتابة اقوى الأدلة و الأدلة الكتابية هي   السندات الرسمية ، السندات العادية ، الاوراق غير الموقعة.

 

السندات الرسمية : هي السندات التي ينظمها الموظفون الحكوميونالمختصون بتنظيمها ، ولا يطعن فيها الا بالتزوير أي لا يمكن تجاهلها إلا في حالة وحيدة هي أن تكون مزورة ، وتشمل ايضا السندات التي ينظمهاأصحابها ويصدقها الموظفون الحكوميون الذين من اختصاصهم تصديقها.

السندات العادية : و تشمل أي سند يتضمن توقيع من صدر عنه أو خاتمه أو بصمة إصبعه.

الاوراق غير الموقعة : وتشمل الاوراق غير الموقعة في قانون الإثبات الصينيالدفاتر التجارية (المحاسبية) وهي حجة على التجار فقط ، ولا تكون حجة على غير التجار ، وهي حجة على صاحبها سواء أكانت منظمّة (رسمية حسب الأصول) أم لا , وليست حجة له إلّا إذا كانت منظمة وفي حدود نزاعه مع تاجر آخر فقط الدفاتر والأوراق المنزلية ، وهذه لا تكون حجة لصاحبها وإنما حجة عليه فيما تضمنته من بيانات تفيد إستيفائه للدين أو إثبات حق لمصلحة الغير .

 

وإن القواعد العامة في الاثبات في القانون الصيني لا تقبل اية مستندات او محررات غير موقعة و مؤرخة من منظمها ، ولا تقبل الإحتجاج بالسندات العادية ما لم يقر الخصم بها أو كانت تحتوي على تواقيع الخصوم جميعاً.

 

الإثبات بالوسائل الإلكترونية

لقد أتيح بفضل شبكة الإنترنت التعاقد الفوري بين شخصين غائبين مكاناوتبادل العقود من خلال الإيميل , و تبادل البيانات المتصلة بالذمة المالية من دفع و قبض إلكترونياً ، و أفرزت التقنية الرقمية وسائل حديثة لتقديم الخدمات المصرفية وإدارة العمل البنكي و أنظمة الدفع الإلكتروني وإدارة الحساباتالبنكية عن بعد . و أصبح الآن بإمكان المشتري في كوانجو أن يتعاقد مع المصنع في شنجهاي و أن يدفع له قيمة العقد من حسابه البنكي في هونج كونج .

 

لقد إتجه الفقه القانوني الصيني بوجه عام الى قبول وسائل الاثباتالإلكترونية  التي توفر من حيث طبيعتها موثوقية في اثبات الواقعة ، ويتحققذلك من خلال إمكان حفظ المعلومات و مراجعتها عند حصول التنازع , و وجودجهات أو سلطات تحتفظ في سجلاتها بالواقعة القانونية و يمكن الرجوع إليها عند حصول النزاع ، ومن هنا قبل القانون الصيني بنظامي  السويفتوالتلكس في الحوالات البنكية لتحقيقهما هذه الطبيعة والوظائف . في حين بقي الفاكس خارج هذا الاطار و لا تملك المراسلات عبر الفاكس أية حجية قانونية , كما أن القانون الضريبي الصيني قد إعتمد الدفاتر التجارية المحاسبية الإلكترونية (برامج المحاسبة) و إعتبرها بديلاً عن الدفاتر التجارية النظامية الورقية سواء لصالح التاجر أو ضده.

 

و قد كان تحرك الصين سريعا تجاه الإعتراف بالتوقيع الإلكتروني سواء على صعيد المعاملات الحكومية (الحكومة الإلكترونية) أو بالتعاملات التجارية ,حيث أنه و منذ الأول من الشهر الرابع لعام 2005  أصبح التوقيع الإلكترونيفي الصين قانونياً مثل ما هو حال التوقيع بخط اليد و أصبحت الرسائل الإلكترونية (الإيميل) تملك الحجية القانونية الكاملة في الإثبات في المواضيع التجارية.

 

ومن المهم جدا التنبيه إلى أن المقصود بالرسائل الإلكترونيةِ حسب القانون الصيني هو الشكل إلكتروني أو الرقمي , الذي يتم الإطلاع عليه من خلالالكمبيوتر , ولَيسَ الشّكلَ  الورقيَ اللاحقَ حينما يتم طباعة الرسائل الإلكترونيةعلى الورق.

 

و من الجدير ذكره أن الإتجاه التشريعي العربي للتعامل مع الوسائل الالكترونية في الاثبات كان مخيباً للآمال ، فالبناء القانوني للتشريعات العربية عموماً في حقلي التعاقد والاثبات لم يعرف الوسائل الالكترونية وتحديداً تلك التي لا تنطوي على مخرجات مادية كالورق ، وجاء مبناه قائمابوجه عام على فكرة الكتابة ، التوقيع ، الصورة ، التوثيق ، التصديق ، السجلات ، المستندات ، الاوراق.. الخ.

 

المشكلات العملية في الاثبات بالوسائل الالكترونية

 

قبول الوسائل الالكترونية والثقة بها :

أهم مشكلات الاثبات بالوسائل التقنية هي مشكلة مقبولية هذه الوسائل من قبل القطاعات المتعاملة بالانشطة التجارية والمالية سواء الافراد اوالمؤسسات و المصانع ، والقاعدة الاساسية التي يمكن الانطلاق منه لتحقيق هذه المقبولية ، هي مدى الإطمئنان لسلامة الوسائل الالكترونية في التعاقد والاثبات.

و إن تحقيق درجة قبول مميزة لوسائل التعاقد والإثبات الالكترونية ، يتطلب برنامجا توعويا شاملا ، للمتعاملين بها , تجنباً لأي إحتيال أو ضياع للحقوق.

فعلى رجل الأعمال العربي طالب التعاقد الإلكتروني مع إحدى الشركات الصينية أن يتأكد من سلامة أوراق تسجيل هذه الشركة و صلاحيتها بأن يطلب نسخه عنها , و أن يتوثق رسمياً من شخص المدير المفوض صاحب حق التوقيع عن هذه الشركة من خلال طلب نسخة عن بطاقته الشخصية و مقارنةالإسم فيها مع ما هو مدون في أوراق تسجيل الشركة , و أخيراً إثبات بريد إلكتروني معتمد كهوية لا تقبل اللبس للشركة الصينية , ليكون عنوان قانونياً للمراسلات .

 

التوثق من شخص المتعاقد .

إن التوثق من شخصية المتعاقد أساس العمل التجاري و المصرفي ، اذ لا أداء لأية عملية و لا نفاذ لأي طلب دون تحقيق ذلك ، وسواء أختير الرقم السري أو التوقيع الرقمي ، أو أختيرت وسائل إثبات الشخصية الفيزيائية أوالبيولوجية ، فإن الأهم تخيَر وسيلة تقنية تفي بالغرض ، و تحقق الإرتياح في الإستخدام من طرف المتعامل ومن طرف القائمين بالعمل ، وتتلاءم مع البناء القانوني السائد في الصين.

 

و على الصعيد العملي و عند التعاقد يجب على كل طرف تحديد عنوان بريده الإلكتروني (الإيميل ) و إدراجه صراحة في العقد , فيكون هذا العنوان دال بشكل قاطع على هوية صاحبه أو مستخدمه , و على كل طرف و مهما كانت الظروف أو الأسباب عدم قبول أية مراسلات لا تأتي من البريد الإلكتروني المسجل في العقد و المعتمد للطرف الآخر.

 

المعايير القانونية للإيجاب والقبول .

إن التعاقد الالكتروني يتطلب منا إلتزام معيار قانوني معين لتحديد أحكام الإيجاب والقبول في البيئة الالكترونية , وتوقيت إعتبارهما قانونا , وتحديدالمكان المعتبر للتعاقد ، وهذه مسائل على قدر كبير من الاهمية في حالة المنازعات ، لانها تتعلق بمدى قبول النظام القانوني الصيني لوجود التعاقد ابتداء وموقفه من الزامية الايجاب وما اذ كان القبول قد صدر صحيحا ام لا ، الى جانب تحديد القانون المطبق على النزاع والمحكمة المختصة بنظره و هل هي المحاكم الصينية و القانون الصيني أم غيرهما .

 

إن الأساس هو إحداث تساو في القيمة بين العقود التقليدية الورقية المكتوبة و بين العقود الالكترونية ، و بين وسائل الاثبات المؤسسة على الكتابة والتوقيع المادي وبين المراسلات الالكترونية والتواقيع الرقمية ، لكن هذه القاعدة لم تمنع الكثير من الخلافات والتناقض اذ يتعين ان تراعي هذه العقود غياب المعايير فتتحول بذاتها الى قانون المتعاقدين وأن تراعي عناصر أساسية  أهمها تحديد القانون المطبق وجهة الاختصاص القضائي . وتركَز ضمن أهم ما يتعين أن تركَز عليه على التوجه نحو طرق التقاضي البديلة , التي تجيز التحرر من كثير من القيود القانونية القائمة ، ولعل التحكيم والمفاوضات والوساطة وغيرها من طرق فض المنازعات خارج المحاكم الانسب للنشاطالتجاري في الصين وتعدو ضرورية للأعمال المتصلة بالعلاقات القانونية في البيئة الالكترونية والمعلوماتية داخل الصين و خارجها.  

 

و في الختام نستخلص أن هنالك إتجاه دولي عريض (ليس في الصين فقط)نحو الإعتراف بحجية المراسلات الإلكترونية بمختلف أنواعها والإعتراف بحجية الملفات المخزنة في النظم الحاسوبية ومستخرجات الحاسوب والبيانات المسترجعة منه ، والاقرار بصحة التوقيع الالكتروني وتساويه في الحجة مع التوقيع الفيزيائي والتخلي شيئا فشيئا عن اية قيود تحد من الاثبات في البيئة التقنية و الرقمية ، والسنوات القليلة القادمة ستشهد بإذن الله تطوراً أيضاًفي الإتجاه نحو قبول الملفات الصوتية والتناظرية والملفات ذات المحتوى المرئي وغيرها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق