حجية البريد الالكتروني في الإثبات
بحث للدكتور خالد ممدوح
أولاً: مفهوم البريد الإلكتروني
يقتضي التعرض لماهية البريد الإلكتروني أن نبين مفهومه، ونشأته، وتعريفه، وطريقة الحصول عليه، ومدي جواز تملكه، والخطوات الفنية لتشغيله، وأشكاله، وأنواعه، وذلك علي نحو ما يلي.
أولاً: مفهوم البريد الإلكتروني
تقوم فكرة البريد الالكتروني على تبادل الرسائل الإلكترونية، والملفات والرسوم والصور والأغاني والبرامج ..…الخ، عن طريق إرسالها من المرسل إلى شخص أو أكثر وذلك باستعمال عنوان البريد الالكتروني للمرسل إليه بدلاً من عنوان البريد التقليدي.
ويشبه صندوق البريد الالكتروني صندوق البريد العادي،(1) مع وجود فارق جوهري يتمثل في أنه في صندوق البريد الإلكتروني توجد الرسائل المرسلة أليك وتلك التي سبق لك إرسالها والرسائل الملغاة ونماذج عامة لصيغ الرسائل بالإضافة إلى قائمة بالعناوين البريدية التي تضيفها أو تنشئها في صندوقك حتى لا تعود في كل وقت لطباعة العنوان من جديد
ثانياً : نشأة وتطور البريد الإلكتروني
كما ظهرت شبكة الإنترنت من وراء المحيط الأطلنطي، الولايات المتحدة الأمريكية، ظهر البريد الإلكتروني وأنتشر إلي جميع أنحاء العالم تحت التسمية الإنجليزية E-mail () ، وفي فرنسا فإن الوضع الغالب هو استخدام مصطلح Courrier électronique، وفي مصر فإن مصطلح البريد الإلكتروني هو المستخدم ولكن من الناحية العملية يستخدم لفظ الايميل.
ويرجع الفضل في ظهور البريد الإلكتروني إلي العالم الأمريكي راي توملينستون Ray Tomlinson، والذي يعتبر، وبحق، مخترع البريد الإلكتروني حيث صمم علي شبكة الإنترنت برنامج لكتابة الرسائل يسمي send message، وذلك بغرض تمكين العاملين بالشبكة من تبادل الرسائل فيما بينهم، ثم ما لبث أن أخترع برنامجاً أخر سمي CYPNET يسمح بنقل الملفات من جهاز كمبيوتر إلي جهاز أخر، ثم قام بدمج البرنامجين في برنامج واحد، ونتج عن هذا الدمج ميلاد البريد الإلكتروني.(2)
ولقد صادفت Ray Tomlinson مشكلة تتمثل في أن الرسالة لا تحمل أي دليل علي مكان مرسلها ففكر في ابتكار رمز لا يستخدمه الأشخاص في أسمائهم، يوضع بين أسم المرسل والمَوقع الذي ترسل منه الرسالة، وكان اختياره للرمز @،(3) وذلك في خريف عام 1971، وبذلك أصبح أول عنوان بريد إلكتروني في التاريخ هو Tomlinson@bbn-tenexa.
لقد شهد البريد الالكتروني ثورة في وسائل تنظيمه وإرساله وربطه التفاعلي بوسائل التقنية الأخرى، فتم تطوير البريد الالكتروني الصوتي الذي يمكن من خلاله ترك رسائل صوتية أو استقبال رسائل مكتوبة بشكل صوت، وجرى ربط البريد بمواقع الشركات عبر الانترنت لتسهيل عمليات الإرسال والاستقبال إثناء الوجود على مواقع الانترنت، وطورت تقنية استقبال البريد الالكتروني بواسطة الكمبيوترات المفكرة المحمولة باليد، وأيضا عن طريق الهاتف النقال Mobile phone كنصوص مكتوبة أو مسموعة مع إمكانية التحويل من شكل الى أخر بينها.
كما حدث تطور هائل في تقنيات تنظيم وإدارة صندوق البريد الالكتروني وربطه بقوائم العملاء والجهات المرسل إليها البريد بانتظام وتنظيم عناوينها داخل برنامج الارسال الخاص بالمرسل واستخدام وسائل الامن والحماية التقنية لرسائل البريد الالكتروني في كافة مراحلها بما في ذلك التشفير وفك التشفير وتوثيق مواعيد الارسال والاستقبال والتحميل وغير ذلك.
(1) - تلك التسمية هي أختصاراً للمصطلح Electronic Mail .
(2) – يونس عرب ، قصة أختراع البريد الإلكتروني ،(3) – هذا الرمز ينطق بالإنجليزية at وبالفرنسية chez وبالعربية أت.
ثالثاً : تعريف البريد الإلكتروني
عرف جانب من الفقه البريد الإلكتروني بأنه "طريقة تسمح بتبادل الرسائل المكتوبة بين الأجهزة المتصلة بشبكة المعلومات".(1) بينما عرفه البعض بأنه(2) "مكنة التبادل الإلكتروني غير المتزامن للرسائل بين أجهزة الحاسب الآلي". كما عرفه البعض الأخر(3) بأنه "تلك المستندات التي يتم إرسالها أو استلامها بواسطة نظام اتصالات بريدي إلكتروني وتتضمن ملحوظات مختصرة ذات طابع شكلي حقيقي، ويمكنه استصحاب مرفقات به مثل معالجة الكلمات وأية مستندات أخري يتم إرسالها رفقة الرسالة ذاتها.
كما عرف القانون الأمريكي بشأن خصوصية الاتصالات الإلكترونية(4) الصادر في 1986 والمقنن في موسوعة القوانين الفيدرالية الأمريكية (18UScode,Sec.2510-2711-U.S.C.C.A.N) البريد الإلكتروني بأنه "وسيلة اتصال يتم بواسطتها نقل المراسلات الخاصة عبر شبكة خطوط تليفونية عامة أو خاصة، وغالباً يتم كتابة الرسالة علي جهاز الكمبيوتر ثم يتم إرسالها إلكترونياً إلي كمبيوتر مورد الخدمة الذي يتولي تخزينها لديه حيث يتم إرسالها عبر نظام خطوط التليفون إلي كمبيوتر المرسل إليه".(5)
وعرفه القانون الفرنسي بشأن الثقة في الاقتصاد الرقمي الصادر في 22 يونيه 2004 بأنه "كل رسالة سواء كانت نصية أو صوتيه أو مرفق بها صور أو أصوات ويتم إرسالها عبر شبكة اتصالات عامة، وتخزن عند أحد خوادم تلك الشبكة أو في المعدات الطرفية للمرسل إليه ليتمكن هذا الأخير من استعادتها".
وقد جاء القانون المصري رقم 15 لسنه 2004 بشأن التوقيع الإلكتروني خالياً من ثمة تعريف لماهية البريد الإلكتروني.
رابعاً : طريقة الحصول علي عنوان البريد الإلكتروني
يتم الحصول علي عنوان البريد الإلكتروني للمستخدم user بأحدى وسيلتين، الأولي المنح والثانية الاختيار،(1) ويكمن الفارق بينهما في مدي الحرية التي يتمتع بها مستخدم الإنترنت في تكوين عنوانه البريدي الخاص به.
فالوسيلة الأولي وهى المنح Attribution، فلا يكون للمستخدم الحرية في أختيار مكونات عنوان بريده الإلكتروني، إذ يتكون العنوان في الغالب من أسم المستخدم إلي جانب أسم مورد الخدمة، وهذه الطريقة دائماً ما تتوافر لدي الجهات الحكومية والمنظمات الدولية والجامعات والإكاديميات العلمية والشركات التي تتولي تخصيص عنوان إلكتروني للعاملين بها.
أما الوسيلة الثانية وهي الاختيار Election، فنجد أن مورد الخدمة يترك للمستخدم الحرية الكاملة في تكوين العنوان وبالطريقة التي يرغبها، حيث لا يحد من حرية المستخدم في تشكيل عنوانه الإلكتروني إلا بعض المقتضيات الفنية والتقنية المتعلقة بعمل الشبكة ومنها، عدم السماح بتسجيل أسم سبق تسجيلة بواسطة احد المستخدمين،(2) وقد يكون الاشتراك بمقابل وقد يكون مجاناً وذلك بغرض الدعاية لبعض المواقع لجذب الأشخاص إليها مثل موقع Yahoo , hotmail , Google .
وتتماثل العناوين البريدية في شكلها ، إذ تتكون من مقطعين يفصل بينهما الرمز @ وتكون علي الشكل التالي :
""""""""""""""""""""@yahoo.com (3)
ويلاحظ من ذلك أن الجزء الأول من العنوان الذي يقع علي يسار الرمز @ يدل علي أسم المستخدم، أي الشخص صاحب الصندوق البريدي، والذي قد يكون عبارة عن أسمه الحقيقي أو مجرد رمزاً له أو أسماً مستعاراً وهذا الجزء هو الذي يميز المستخدم عن غيره من المستخدمين لدي مقدم خدمة البريد الإلكتروني، ويتبعه أشارة @ وتنطق بالعربية ( آت )، أما الجزء الواقع علي يمين الرمز @ فيشير دائماً إلي مقدم الخدمة، وهذا القسم يتكون من أسم المضيف واسم الدومين، وقد يوجد بعد اسم الدومين اسم النطاق الأعلي وهو يشير إلي نوع نشاط الدومين، فالرمز com يدل علي النشاط الخاص بالشركات التجارية، والرمز edu يرمز للجامعات، أما gov فيشير إلي الهيئات الحكومية، ويدل الرمز org علي المنظمات العالمية .(4)
ويستطيع الشخص بمجرد تملك عنوان بريد إلكتروني تبادل الرسائل الإلكترونية مع الآخرين في ثواني معدودة،(5) كما يستطيع إلحاق ملفات ووثائق بتلك الرسالة Attachment وأرسالها إلي أي مكان في أرجاء المعمورة واستقبال مثلها. كما يستطيع صاحب البريد الإلكتروني أيضاً القيام بالعديد من التصرفات القانونية، وإبرام العقود الإلكترونية، والرد علي المخاطبات الإدارية، وكذلك إتمام بعض الإجراءات القضائية.
وترسل الرسالة ابتداءً الى شخص واحد أو اكثر وربما الى عشرات الأشخاص في نفس الوقت كما أن المرسل إليه يمكنه إعادتها الى المصدر أو إرسالها الى جهات آخرى بذات محتواها أو مضافاً اليها ملاحظاته بشأنها.
ورسالة البريد الالكتروني في شكلها الاعتيادي تتضمن بيان الشخص المرسل والمرسل اليه، وتاريخ تصدير الرسالة وحجمها مقيساً بوحدات التخزين G B، وموضوعها أن حدد المرسل لها موضوعاً، ومن حيث المحتوى تتضمن مادة مكتوبة أو صوراً وقد يلحق بالرسالة ملفات مكتوبة أو وثائق أو أفلام أو برامج أو ملفات صوتية أو موسيقي أو غير ذلك.
ولا يشترط أن يتم إرسال رسالة البريد الالكتروني من كمبيوتر المرسل الخاص به أو باستخدام اشتراكه الخاص لخدمة البريد الالكتروني، بمعنى أنها قد ترسل من أي جهاز إلى أي خادم وبأي اشتراك، كما يمكن أن يضمنها المرسل اسمه الحقيقي أو اسم مستعاراً أو اسم لشخص آخر أو يستخدم عنوان البريد الالكتروني لشخص آخر فيرسل الرسالة باسمه، وهي في صورها الاولية رسالة غير موقعة، لكن التطور التقني أوجد العديد من وسائل توقيعها وربطها بشخص مرسلها ومن ذلك استخدام التوقيع الإلكتروني في نسبة الرسائل إلي مصدرها.
(1) – Manara ( C.), Aspects Juridiques de L' e-mail, Dalloz Affaires, no 140, 1999, p278.
(2) – د . عبد الهادي فوزي العوضي ، المرجع السابق ، ص29 .
(3) – عنوان البريد الإلكتروني الخاص بالمؤلف .
(4) – فعلي سبيل المثال موقع منظمة الأمم المتحدة علي شبكة الإنترنت هو :
www.un.org ، وبالتالي فإن عنوان البريد الإلكتروني لها ينتهي بالرمز org ، وكذلك موقع منظمة التجارة العالمية www.wto.org.
(5) – د . عبد الهادي فوزي العوضي ، المرجع السابق ، ص11 .
خامساُ : ملكية البريد الإلكتروني
تثير حصول المشترك علي عنوان بريد إلكتروني خاص به مشكلة ملكية البريد الإلكتروني حال حياة المستخدم وماهية مصيرة بعد الوفاة.
هناك رأي أول يذهب إلي أن البريد الإلكتروني يكون ملكاً لصاحب العنوان البريدي سواء أكان شخصاً طبيعياً أم اعتبارياً، ووفق هذا الرأي ففي حالة وفاة صاحبالبريد الإلكتروني ينتقل للورثة باعتباره عنصراً من عناصر التركة ويخضع بالتالي للأحكام القانونية الخاصة بأنتقال التركات، وذلك قياساً علي الأوراق العائلية والأشياء المتعلقة بعاطفة الورثة نحو المتوفي كمذكراته الشخصية وشهاداته وأصول مؤلفاته وأوسمته وملابسه الرسمية وصورة الفوتوغرافية.(1)
وقد بين المشرع كيفية اقتسام الورثة لهذه الأشياء ،(2) فإذا أتفق الورثة نفذ الاتفاق، أما إذا لم يتفق الورثة علي طريقة تقسيمها تولت المحكمة المختصة بنظر شئون التصفية البت في شئونها مستلهمة في ذلك العرف وظروف الأسرة والظروف الشخصية للمورث، فقد تأمر المحكمة ببيعها وتوزيع ثمنها علي الورثة وقد تعطيها لوارث معين هو أنسب الورثة باقتنائها بعد استنزال قيمتها من نصيبه في الأرث أو دون استنزال إذا تمحضت قيمتها في عنصرها المعنوي .
بينما يذهب اتجاه ثان(3) إلي عدم جواز انتقال البريد الإلكتروني إلي الورثة، ويستند هذا الرأي إلي أن البريد الإلكتروني يعتبر من المراسلات الخصوصية وبالتالي يخضع للقواعد القانونية المنظمة لسرية المراسلات والتى تحظر علي غير المرسل إليه الإطلاع عليه أو التعرف علي محتواه.
ويذهب اتجاه ثالث(4) إلي أن الحق علي العنوان الإلكتروني ليس حق ملكية وإنما حق استعمال واستخدام محدد بمجال معين ، ويستند أنصار هذا الرأي في رفض تكييف الحق علي العنوان الإلكتروني بانه حق ملكية لعدة أسباب منها ، أن مستخدم عنوان البريد الإلكتروني لا يستطيع حوالته ، كما أنه ملزم ، في بعض الأحوال ، بسداد مبالغ نقدية إلي الجهة المختصة بالتسجيل وإلا سقط حقه في استخدامه وأصبح العنوان متاحاً للجميع ، كما أن من المعتاد أن نجد في الشروط العامة لاستعمال البريد الإلكتروني لبعض المواقع الهامة مثل Yahoo،hotmail أن تنص علي حق هذه المواقع في إلغاء الحساب البريدي في حالة عدة الاستخدام وعدم الاتصال بالبريد الإلكتروني فترة معينة من الزمن، وهذا يتعارض ولا شك مع طبيعة حق الملكية .
(1) – د . عبد الرزاق السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني - أسباب كسب الملكية ، الجزء التاسع – المجلد الأول ، تنتقيح المستشار مصطفي الفقي ، طبعة نادي القضاة ، 1992 ، ص230 .
(2) – تنص المادة (905 ) من القانون المدني علي أنه " إذا لم يتفق الورثة علي قسمة الأوراق العائلية أو الأشياء التي تتصل بعاطفة الورثة نحو المورث ، أمرت المحكمة إما ببيع هذه الأشياء أو بإعطائها لأحد الورثة مع استنزال قيمتها من نصيبه في الميراث أو دون استنزال ، ويراعي في ذلك ما جري عليه العرف وما يحيط بالورثة من ظروف شخصية " .
(3) – M.Cahen, Les emails sont des données personnelles , art, precite, p1.
(4) - د . شريف محمد غنام ، حماية العلامات التجارية عبر الإنترنت في علاقتها بالعنوان الإلكتروني ، مجلة الحقوق - جامعة الكويت ، العدد الثالث ، السنه 28 ، سبتمبر 2004 ، ص353 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق