.
دور القاضي في حماية المستهلك من الشروط التعسفية في عقود الإذعان.
مقارنه بين التشريع المصرى والمغربي والفرنسي
مقالات قانونية
يعرف الدكتور "أحمد عبد الرزاق السنهوري" عقد الإذعان بقوله "ففي دائرة عقود الإذعان يكون القبول مجرد إذعان لما يمليه الموجب فالقابل للعقد لم يصدر قبوله بعد مفاوضة و مناقشة، بل هو في موقفه من الموجب لا يملك إلا أن يأخذ أو يدع. فرضائه موجود و لكنه مفروض عليه."
كما عرفه الفقه المصري –حمد الله محمد حمد الله- بأنه: "هو العقد الذي يسلم فيه أحد المتعاقدين بشروط محددة يضعها الطرف الآخر و لا يسمح بمناقشتها، و ذلك فيما يتعلق بسلع أو مرافق ضرورية تكون محل احتكار قانوني أو فعلي أو تكون المنافسة محدودة بشأنها".
و يتضح من خلال هذين التعريفين أن عقد الإذعان يتميز بخاصيتين اثنين وهما وجود احتكار قانوني أو فعلي للسلعة أو الخدمة من طرف المهني و أن تكون هذه السلعة أو الخدمات أساسية بالنسبة للمستهلك، و من خلال هذا يمكن أن نقول بأن عقد الاستهلاك عقد إذعان بامتياز.
و بخلاف المشرع المغربي و الفرنسي لم يضعا نصا تشريعيا صريحا يمنح القضاء سلطة مواجهة الشروط التعسفية في عقود الإذعان، فإن المشرع المصري تدخل بصفة مباشرة للحد من الشروط التعسفية المضمنة في هذه العقود، إذ تنص المادة 149 من القانون المدني على أنه " إذا ثم الاتفاق بطريقة الإذعان وكان قد تضمن شروط تعسفية، جاز للقاضي أن يعدل هذه الشروط أو أن يعفي الطرف المذعن. و ذلك وفقا لما تقتضي به العدالة، ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك".
واضح من خلال هذا الفصل أن المشرع المصري كان أكثر جرأة بحيث منح للقضاء سلطة تعديل أو إلغاء الشروط التعسفية الواردة في عقود الإذعان، فهو بذلك منح السلطة للقضاء لإعادة التوازن إلى مثل هذه العقود.
و مع ذلك فإن بعض الفقه "عبد الباسط جميعي" يرى بأن السلطات الواسعة التي منحها المشرع للقضاء في مصر بصدد عقود الإذعان غير كافية لحماية الطرف المذعن لأن المشرع لم يقرر له حماية مماثلة بصدد أنواع باقي العقود.
ولم يتضمن قانون الالتزامات و العقود المغربي نصا صريحا يوفر الحماية للطرف المذعن في عقود الإذعان، واقتصر على تنظيم بعض العقود و التي تكون في الغالب عقود إذعان، كعقد التأمين، و عقود الكراء و غيرها من العقود الأخرى.
و مع ذلك يمكن للقاضي أن يلعب دورا أساسيا لمواجهة الشروط التعسفية في عقود الإذعان أمام غياب النصوص التشريعية في قانون الالتزامات و العقود المغربي، فالعقد يتم إبرامه و صفة الأطراف غير متساوية، فإذا كانت هناك مساواة في القانون فإن الأفراد ليسوا كذلك في الواقع، فالمحترف يملك قوة اقتصادية إن لم تكن ذا تأثير على إبرام العقد فإنه في مقابل ما يملك من تفوق تغني بجعله يلعب دورا كبيرا في اشتراط شروط تعسفية، أما المستهلك فلا يملك و سائل التأثير و يجهل كليا وجود المنتوج و يجهل الحقوق و الالتزامات المترتبة عن العقد لذلك لا يكلف نفسه عناء المناقشة مادام يضع ثقته في المحترف، إذا كان ظهير الالتزامات و العقود لا يوجد به نص يخول للقاضي سلطة تعديل الشروط التعسفية فإنه عند تفسير عقود الإذعان يتعين عليه البحث عن الإرادة المشتركة للمتعاقدين و التحري عن قصد الطرف الضعيف.
وفي فرنسا فقد استند الفقه أمام عدم وجود نص صريح إلى نص المادة 1156 من القانون المدني الفرنسي الخاصة بتفسير العقود العادية و التي تسمح بتفضيل النية المشتركة للمتعاقدين على المعنى الحرفي للألفاظ و ذلك من أجل استبعاد الشروط التعسفية في عقود الإذعان، و بالتالي يمنك إهمالها خصوصا إذا كانت الشروط المطلوبة تتعارض مع شكل آخر مكتوب باليد. فقد قضت محكمة النقض الفرنسية بتفضيل الشرط المكتوب بخط اليد على الشرط المطبوع في عقد الإذعان، حيث أن الشرط المكتوب بخط اليد ينتج عن الإرادة المشتركة و الحقيقية لأطراف التعاقد بينما الشرط المطبوع وليد إرادة الطرف الأقوى في التعاقد، كما كما أن القضاء الفرنسي استند على الفصل 1162 من القانون المدني الذي ينص على أنه في حالة الشك يفسر الاتفاق ضد الشخص الذي اشترط و لمصلحة الملتزم، وبناء على هذه الفرضية يمكن للمحكمة أن تؤول في مجمل الأحوال شروط العقد الغامضة أو المعقدة ضد المحترف، و بالفعل فقد قضت استئنافية "كولمار colmar" بأنه يجب تطبيق مسطرة التأويل في عقود الإذعان بصرامة متناهية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق